% حياه البدو في الماضي %
يشكل البدو في دولة الإمارات العربية المتحدة شريحة رئيسية من سكانها، ولكن حياة البدو، رغم احتفاظها بالكثير من التقاليد والعادات القديمة، لم تعد كما كانت في الماضي. القلاع استخدمت في الماضي لاغراض دفاعية فالثروة النفطية التي تدفقت على البلاد منذ سبعينيات القرن الماضي، كان لها أثر كبير في تحضير البدو في الإمارات وإحداث تغييرات جوهرية في نمط حياتهم. رقصة الحرب في أحد الأعراس التي أقيمت مؤخرا في واحة ليوا يصطف الشبان وهم يهزجون ويرقصون، على وقع آلات موسيقية تقليدية من قبيل الطارات والدفوف والطبول، رقصة العيالة التراثية، وهي رقصة موغلة في القدم في تاريخ الإمارات. ولا يكاد عرس من أعراس أبناء القبائل يخلو من هذه الرقصة التي ارتبطت في الماضي بالحرب والغزو، بحيث اعتبرها البعض رقصة الحرب البدوية بإمتياز، ولكنها باتت في زمننا الحالي عنوانا لمناسبات الفرح من قبيل الزواج والختان وما إلى ذلك. وثمة أشياء كثيرة أخرى غير العيالة طرأت عليها تغييرات في حياة البدو في الإمارات. فلم يعد هؤلاء يجوبون الصحراء بقطعانهم من الماشية والإبل بحثا عن الماء والكلأ، وإنما باتوا يسكنون القصور ويقودون السيارات الفارهة. "كثر الخير" وقد شكلت أواخر الستينيات، حين تولى الحكم رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، نقطة إنعطاف في حياة البدو نحو التطور الكبير الذي تشهده حاليا. وهذا ما يذكره محمد بن هلال بن راشد المزروعي، وهو أحد أبناء ليوا وفي العقد الثامن من عمره: "يوم حكم زايد، كثر الخير، كثر الخير. ونال الناس خيرا كثيرا". ويوضح محمد بن هلال قائلا: "في الزمن الأول كانت تمر على الرجل عشر سنين وما يكون عنده 100 درهم في مخبئه. الآن خلال عشر سنين يكون الرجل دخّل 50 مليونا، 40 مليونا". ومحمد بن هلال ما يزال يتذكر بكل وضوح أيام الشقاء الخوالي وضنك العيش فيها حيث كان طعام البدو الرئيسي في واحة ليوا يتكون من حليب النوق والتمر. ويقول: "وعشنا عيشة ضنكة نوعا ما. تعبنا نوعا ما. ولكن الأحوال في هذه المنطقة كانت أفضل من الأحوال في مناطق أخرى". حياة الصحراء كانت قاسية قبل اكتشاف النفط ويردف قائلا: "كان الناس يعيشون على التمر ويعيشون على الحليب. الجمال ساعدتنا قليلا. الناس عاشت من الجمال؛ من الحليب، ومن التمور أيضا. فالتمر ساعدنا كثيرا". غزوات وحياة البادية هذه بما فيها من شظف العيش والفقر والفاقة أرخت بظلال قاتمة على أمن وأمان حياة البدو تجلت في الغزوات والغارات التي كانت الحاجة تدفع بالبعض إلى شنها بغرض سلب الإبل والماشية. هذا الوضع يصفه محمد الفندي المزروعي بقوله: "سكان المنطقة كانت تأتيهم غزوات من الجنوب ومن الشرق ومن الشمال. ناس، قبائل، ساكنة في هذه البراري، كما نحن نسكن في هذا البر". وكانت الحاجة هي الدافع الأساسي وراء هذه الغزوات حيث إن "المحتاج كان يغزو الثاني، يأخذ ناقته، ويروّح. إذا أنت التقيت معاه، صارت الذبحة بينك وبينه. واذا ما التقيت معاه، فراح". ومحمد الفندي وابن عمه محمد بن هلال ينتميان إلى جيل المعاناة الذي تفتحت عيونه على ظروف معيشية بالغة الصعوبة، ليشهد فيما بعد التطور الهائل الذي طرأ على حياة البدو في الإمارات. ولعل هذا ما يفسر إنعدام الحنين لديهما إلى الماضي. أسأل محمد بن هلال عما إذا كان يساوره الحنين إلى حياة البداوة فيسارع إلى الإجابة: "لا". إلا أنه سرعان ما يستدرك بأن ما يحن إليه هو "أيام الشباب". ويمضي إلى القول: "أما النعمة، فالمرء لا يقول ليتني كنت قبل سنتين، وهو حاليا يرفل في النعمة، وفي الخير، وفي الرفاهية". ويشير إلى أن "الأمان كان قليلا. وكانت الحاجة تضطرك تنهب أخيك. أما اليوم، فيسافر المرء آلاف الكيلومترات، ويرقد في مأمن، ويعيش في مأمن. الحياة الآن تتطلب من الواحد الحمد والشكر". نداء التراث ولكن زائر واحة ليوا لن يعدم العثور على البعض من أبناء الجيل الشاب ممن تتملكه نظرة رومانسية إلى هذا الماضي، كما هو شأن سلطان بن حمد بن سيف المزروعي، الذي يحدوه الحنين إلى القدوم إلى ليوا من مدينة أبو ظبي في كل أسبوع. ويقول سلطان: "كل أربعاء وخميس وجمعة أجيء إلى هنا، أتفقد المزارع، وأتفقد الإبل، وأشوف ما الذي يحتاجون إليه، وأوفر لهم كل شيء، الحمد لله". وسلطان، الشاب الذي يبلغ من العمر 21 عاما، لا تستهويه حياة المدينة في أبو ظبي لما تنطوي عليه من ابتعاد عن التراث "لأنه أول شيء في أبو ظبي أنا ما أرتاح. يعني ناس متحضرون زيادة وليسوا متمسكين بالعادات والتقاليد". ويؤكد بأن "الرجل في الوقت الحاضر لازم يتمسك بتراثه الأول، ويتعلم ما تعلمه أجداده، ويعيش الحياة الصعبة التي عاشها جده وأباه". ثمة أسف وأسى يخامران سلطان لأن "الشباب في الوقت الحالي لا يهتمون بالتراث. وكلما قلنا لهم التراث، قالوا هذا خلاص، سار فيه أجدادنا وخلصوا منه. وأنا أقول له هذا الشيء أنتم لازم تتمسكون فيه. (في) الأول أبوك عاش فيه، وجدك عاش فيه. فلازم تتمسكون فيه. وهذا هو التراث". ولعل في هذا القلق على التراث، دافعا للمحافظة على معالم تراثية إماراتية أصيلة، مثل رقصة العيالة، والحيلولة دون إنجرافها أمام زحف العولمة.
مشكـــووورهـ غنــاتي ع هالموضــوع النايس
ردحذفونتــريا يديــدج